فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والطريق الثاني أن يعرف أن الأبقى أولى بالإيثار ثم يعرف أن الآخرة أبقى فيحصل له من هاتين المعرفتين معرفة ثالثة وهو أن الآخرة أولى بالإيثار ولا يمكن تحقق المعرفة بأن الآخرة أولى بالإيثار إلا بالمعرفتين السابقتين فإحضار المعرفتين السابقتين في القلب للتوصل به إلى المعرفة الثالثة يسمى تفكرا واعتبارا وتذكرا ونظرا وتأملا وتدبرا.
أما التدبر والتأمل والتفكر فعبارات مترادفة على معنى واحد ليس تحتها معان مختلفة. وأما اسم التذكر والاعتبار والنظر فهى مختلفة المعانى وإن كان أصل المسمى واحد كما أن اسم الصارم والمهند والسيف يتوارد على شيء واحد ولكن باعتبارات مختلفة.
فالصارم يدل على السيف من حيث هو قاطع والمهند يدل عليه من حيث نسبته إلى موضعه والسيف يدل دلالة مطلقة من غير إشعار بهذه الزوائد.
فكذلك الاعتبار ينطلق على إحضار المعرفتين من حيث أنه يعبر منهما إلى معرفة ثالثة وإن لم يقع العبور ولم يمكن إلا الوقوف على المعرفتين فينطلق عليه اسم التذكر لا اسم الاعتبار وأما النظر والتفكر فيقع عليه من حيث إن فيه طلب معرفة ثالثة فمن ليس يطلب المعرفة الثالثة لا يسمى ناظرا فكل متفكر فهو متذكر وليس كل متذكر متفكرا.
وفائدة التذكار تكرار المعارف على القلب لترسخ ولا تنمحى عن القلب.
وفائدة التفكر تكثير العلم واستجلاب معرفة ليست حاصلة.
فهذا هو الفرق بين التذكر والتفكر.
والمعارف إذا اجتمعت في القلب وازدوجت في القلب على ترتيب مخصوص أثمرت معرفة أخرى فالمعرفة نتاج المعرفة.
فإذا حصلت معرفة أخرى وازدوجت مع معرفة أخرى حصل من ذلك نتاج آخر.
وهكذا يتمادى النتاج وتتمادى العلوم ويتمادى الفكر إلى غير نهاية وإنما تنسد طريق زيادة المعارف بالموت.
أو بالعوائق وهذا لمن يقدر على استثمار العلوم ويهتدى إلى طريق التفكير.
وأما أكثر الناس فإنما منعوا الزيادة في العلوم لفقدهم رأس المال وهو المعارف التي بها تستثمر العلوم كالذى لا بضاعة له فإنه لا يقدر على الربح وقد يملك البضاعة ولكن لا يحسن صناعة التجارة فلا يربح شيئا فكذلك قد يكون معه من المعارف ما هو رأس مال العلوم ولكن ليس يحسن استعمالها وتأليفها وإيقاع الازدواج المفضى إلى النتاج فيها.
ومعرفة طريق الاستعمال والاستثمار تارة تكون بنور إلهى في القلب يحصل بالفطرة كما كان للأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وذلك عزيز جدا وقد تكون بالتعلم والممارسة وهو الأكثر.
ثم المتفكر قد تحضره هذه المعارف وتحصل له الثمرة وهو لا يشعر بكيفية حصولها ولا يقدر على التعبير عنها لقلة ممارسته لصناعة التعبير في الإيراد.
فكم من إنسان يعلم أن الآخرة أولى بالإيثار علما حقيقيا ولو سئل عن سبب معرفته لم يقدر على إيراده والتعبير عنه مع أنه لم تحصل معرفته إلا عن المعرفتين السابقتين وهو أن الأبقى أولى بالإيثار وأن الآخرة أبقى من الدنيا فتحصل له معرفة ثالثة وهو أن الآخرة أولى بالإيثار فرجع حاصل حقيقة التفكر إلى إحضار معرفتين للتوصل بهما إلى معرفة ثالثة.
وأما ثمرة الفكر فهى العلوم والأحوال والأعمال ولكن ثمرته الخاصة.
العلم لا غير نعم إذا حصل العلم في القلب تغير حال القلب وإذا تغير حال القلب تغيرت أعمال الجوارح.
فالعمل تابع الحال والحال تابع العلم والعلم تابع الفكر.
فالفكر إذن هو المبدأ والمفتاح للخيرات كلها وهذا هو الذي يكشف لك فضيلة التفكر وأنه خير من الذكر والتذكر لأن الفكر ذكر وزيادة.
وذكر القلب خير من عمل الجوارح بل شرف العمل لما فيه من الذكر.
فإذن التفكر أفضل من جملة الأعمال ولذلك قيل تفكر ساعة خير من عبادة سنة فقيل هو الذي ينقل من المكاره إلى المحاب ومن الرغبة والحرص إلى الزهد والقناعة وقيل هو الذي يحدث مشاهدة وتقوى ولذلك قال تعالى لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا وإن أردت أن تفهم كيفية تغير الحال بالفكر فمثاله ما ذكرناه من أمر الآخرة فإن الفكر يعرفنا أن الآخرة أولى بالإيثار فإذا رسخت هذه المعرفة يقينا في قلوبنا تغيرت القلوب إلى الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا.
وهذا ما عنيناه بالحال إذ كان حال القلب قبل هذه المعرفة حب العاجلة والميل إليها والنفرة عن الآخرة وقلة الرغبة فيها.
وبهذه المعرفة تغير حال القلب وتبدلت إرادته ورغبته ثم أثمر تغير الإرادة أعمال الجوارح في إطراح الدنيا والإقبال على أعمال الآخرة.
فهاهنا خمس درجات أولاها التذكر وهو إحضار المعرفتين في القلب وثانيتها التفكر وهو طلب المعرفة المقصودة منهما والثالثة حصول المعرفة المطلوبة واستنارة القلب بها.
والرابعة تغير حال القلب عما كان بسبب حصول نور المعرفة.
والخامسة خدمة الجوارح للقلب بحسب ما يتجدد له من الحال.
فكما يضرب الحجر على الحديد فيخرج منه نار يستضئ بها الموضع فتصير العين مبصرة بعد أن لم تكن مبصرة وتنتهض الأعضاء للعمل فكذلك زناد نور المعرفة هو الفكر فيجمع بين المعرفتين كما يجمع بين الحجر والحديد ويؤلف بينهما تأليفا مخصوصا كما يضرب الحجر على الحديد ضربا مخصوصا فينبعث نور المعرفة كما تنبعث النار من الحديد ويتغير القلب بسبب هذا النور حتى يميل إلى ما لم يكن يميل إليه كما يتغير البصر بنور النار فيرى ما لم يكن يراه.
ثم تنتهض الأعضاء للعمل بمقتضى حال القلب كما ينتهض العاجز عن العمل بسبب الظلمة للعمل عند إدراك البصر ما لم يكن يبصره.
فإذن ثمرة الفكر العلوم والأحوال والعلوم لا نهاية لها والأحوال التي تتصور أن تتقلب على القلب لا يمكن حصرها.
ولهذا لو أراد مريد أن يحصر فنون الفكر ومجاريه وأنه فيماذا يتفكر لم يقدر عليه لأن مجارى الفكر غير محصورة وثمراته غير متناهية. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنهم لما سألوا ربهم أن يقيهم عذاب النار أتبعوا ذلك بما يدل على عظم ذلك العقاب وشدته وهو الخزي، ليكون موقع السؤال أعظم، لأن من سأل ربه أن يفعل شيئًا أو أن لا يفعله، إذا شرح عظم ذلك المطلوب وقوته كانت داعيته في ذلك الدعاء أكمل وإخلاصه في طلبه أشد، والدعاء لا يتصل بالإجابة إلا إذا كان مقرونًا بالإخلاص، فهذا تعليم من الله عباده في كيفية إيراد الدعاء. اهـ.
قال الفخر:
قال الواحدي: الإخزاء في اللغة يرد على معان يقرب بعضها من بعض.
قال الزجاج: أخزى الله العدو، أي أبعده وقال غيره: أخزاه الله أي أهانه، وقال شمر بن حمدويه أخزاه الله أي فضحه الله، وفي القرآن {وَلاَ تُخْزُونِ في ضَيْفِى} [هود: 78] وقال المفضل: أخزاه الله أي أهلكه وقال ابن الانباري: الخزي في اللغة الهلاك بتلف أو انقطاع حجة أو بوقوع في بلاء، وكل هذه الوجوه متقاربة.
ثم قال صاحب الكشاف: {فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} أي قد أبلغت في إخزائه وهو نظير ما يقال: من سبق فلانًا فقد سبق، ومن تعلم من فلان فقد تعلم. اهـ.
قال الفخر:
قالت المعتزلة هذه الآية دالة على أن صاحب الكبيرة من أهل الصلاة ليس بمؤمن، وذلك لأن صاحب الكبيرة إذا دخل النار فقد أخزاه الله لدلالة هذه الآية، والمؤمن لا يخزى لقوله تعالى: {يَوْمَ لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} فوجب من مجموع هاتين الآيتين أن لا يكون صاحب الكبيرة مؤمنا.
والجواب: أن قوله: {يَوْم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} [التحريم: 8] لا يقتضي نفي الإخزاء مطلقا، وإنما يقتضي أن لا يحصل الإخزاء حال ما يكون مع النبي، وهذا النفي لا يناقضه إثبات الإخزاء في الجملة لاحتمال أن يحصل ذلك الإثبات في وقت آخر، هذا هو الذي صح عندي في الجواب، وذكر الواحدي في البسيط أجوبة ثلاثة سوى ما ذكرناه: أحدها: أنه نقل عن سعيد بن المسيب والثوري وقتادة أن قوله: {إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} مخصوص بمن يدخل النار للخلود، وهذا الجواب عندي ضعيف، لأن مذهب المعتزلة أن كل فاسق دخل النار فإنما دخلها للخلود، فهذا لا يكون سؤالا عنهم.
ثانيها: قال: المدخل في النار مخزي في حال دخوله وإن كانت عاقبته أن يخرج منها، وهذا ضعيف أيضا لأن موضع الاستدلال أن قوله: {يَوْم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} [التحريم: 8] يدل على نفي الخزي عن المؤمنين على الإطلاق، وهذه الآية دلت على حصول الخزي لكل من دخل النار، فحصل بحكم هاتين الآيتين بين كونه مؤمنا وبين كونه كافرا ممن يدخل النار منافاة، وثالثها: قال: الإخزاء يحتمل وجهين:
أحدهما: الإهانة والأهلاك، والثاني: التخجيل، يقال: خزي خزاية إذا استحيا، وأخزاه غيره إذا عمل به عملا يخجله ويستحيى منه.
واعلم أن حاصل هذا الجواب: أن لفظ الإخزاء لفظ مشترك بين التخجيل وبين الأهلاك، واللفظ المشترك لا يمكن حمله في طرفي النفي والإثبات على معنييه جميعا، وإذا كان كذلك جاز أن يكون المنفى بقوله: {يَوْم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} غير المثبت في قوله: {إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} وعلى هذا يسقط الاستدلال، إلا أن هذا الجواب إنما يتمشى إذا كان لفظ الإخزاء مشتركا بين هذين المفهومين، أما إذا كان لفظا متواطئا مفيدا لمعنى واحد، وكان المعنيان اللذان ذكرهما الواحدي نوعين تحت جنس واحد، سقط هذا الجواب لأن قوله: {لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} لنفي الجنس وقوله: {فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} لإثبات النوع، وحينئذ يحصل بينهما منافاة. اهـ.

.قال ابن عطية:

إنه خزي دون خزي وليس خزي من يخرج منها بفضيحة هادمة لقدره، وإنما الخزي التام للكفار. اهـ.

.قال محمد بن أبي بكر الرازي:

فإن قيل: كيف قال: {ربنا أنك مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} وقال في موضع آخر {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} ويلزم من هذا أن لا يدخل المؤمنين النار كما قالت المعتزلة والخارجية؟
قلنا: {أخزيته} بمعنى أذللته وأهنته من الخزى وهو الذل والهوان، وقوله: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} من الخزاية وهو النكال والفضيحة، فكل من يدخل النار يذل، وليس كل من يدخلها ينكل به ويفضح.
أو المراد بالآية الأولى إدخال الإقامة والخلود لا إدخال تحلة القسم المدلول عليها بقوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} أراد إدخال التطهير الذي يكون لبعض المؤمنين بقدر ذنوبهم.
وقيل: إن قوله تعالى: {يوم لا يخزي الله النبي} كلام تام، وقوله تعالى: {والذين آمنوا معه} كلام مبتدأ غير معطوف على ما قبله. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقولهم: {ربنا أنك من تدخل النار فقد أخزيته} مسوق مساق التعليل لسؤال الوقاية من النار، كما توذن به (إنّ) المستعملة لإرادة الاهتمام إذ لا مقام للتأكيد هنا.
والخزي مصدر خزِيَ يَخْزَى بمعنى ذلّ وهان بمرأى من الناس، وأخزاه أذلّه على رؤوس الأشهاد، ووجه تعليل طلب الوقاية من النار بأنّ دخولها خزي بعد الإشارة إلى موجب ذلك الطلب بقولهم: {عذاب النار} أنّ النار مع ما فيها من العذاب الأليم فيها قهر للمعذَّب وإهانة علنية، وذلك معنى مستقرّ في نفوس الناس، ومنه قول إبراهيم عليه السلام: {ولا تخزني يومَ يبعثون} [بالشعراء: 87] وذلك لظهور وجه الربط بين الشرط والجزاء، أي من يدخل النار فقد أخزيته.
والخزي لا تطيقه الأنفس، فلا حاجة إلى تأويل تأوّلوه على معنى فقَد أخزيته خزيًا عظيمًا.
ونظّره صاحب الكشاف بقول رُعاة العرب: من أدْرَكَ مَرْعَى الصَّمَّان فقد أدرك أي فقد أدرك مرعى مخصبًا لئلاّ يكون معنى الجزاء ضروري الحصول من الشرط فلا تظهر فائدة للتعليق بالشرط، لأنّه يخلي الكلام عن الفائدة حينئذ.
وقد تقدّم شيء من هذا عند قوله تعالى: {فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز} [آل عمران: 185].
ولأجل هذا أعقبوه بما في الطباع التفادي به عن الخزي والمذلّة بالهرع إلى أحلافهم وأنصارهم، فعلموا أن لا نصير في الآخرة للظالم فزادوا بذلك تأكيدًا للحرص على الاستعاذة من عذاب النار إذ قالوا: {وما للظالمين من أنصار} أي لأهل النار من أنصار تدفع عنهم الخزي. اهـ.

.قال الفخر:

احتجت المرجئة بهذه الآية في القطع على أن صاحب الكبيرة لا يخزي وكل من دخل النار فإنه يخزى، فيلزم القطع بأن صاحب الكبيرة لا يدخل النار، إنما قلنا صاحب الكبيرة لا يخزى لأن صاحب الكبيرة مؤمن، والمؤمن لا يخزى.
إنما قلنا أنه مؤمن لقوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى فقاتلوا التي تَبْغِى حتى تَفِئ إلى أَمْرِ} [الحجرات: 9] سمي الباغي حال كونه باغيًا مؤمنًا، والبغي من الكبائر بالاجماع، وأيضا قال تعالى: {يا أيها الذين ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى} [البقرة: 178] سمي القاتل بالعمد العدوان مؤمنًا، فثبت أن صاحب الكبيرة مؤمن، وإنما قلنا إن المؤمن لا يخزى لقوله: {يَوْم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} [التحريم: 8] ولقوله: {وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة} [آل عمران: 194].
ثم قال تعالى: {فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ} [آل عمران: 195] وهذه الاستجابة تدل على أنه تعالى لا يخزي المؤمنين، فثبت بما ذكرنا أن صاحب الكبيرة لا يخزى بالنار، وإنما قلنا إن كل من دخل النار فإنه يخزى لقوله تعالى: {إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} وحينئذ يتولد من هاتين المقدمتين القطع بأن صاحب الكبيرة لا يدخل النار.
والجواب عنه ما تقدم: أن قوله: {يَوْم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} [التحريم: 8] لا يدل على نفي الإخزاء مطلقًا، بل يدل على نفي الإخزاء حال كونهم مع النبي، وذلك لا ينافي حصول الإخزاء في وقت آخر. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} عام دخله الخصوص في مواضع منها: أن قوله تعالى: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجّى الذين اتقوا} [مريم: 71- 72] يدل على أن كل المؤمنين يدخلون النار، وأهل الثواب يصانون عن الخزي.
وثانيها: أن الملائكة الذين هم خزنة جهنم يكونون في النار، وهم أيضا يصانون عن الخزي.
قال تعالى: {عَلَيْهَا ملائكة غِلاَظٌ شِدَادٌ} [التحريم: 6]. اهـ.
قال الفخر:
احتج حكماء الإسلام بهذه الآية على أن العذاب الروحاني أشد وأقوى من العذاب الجسماني، قالوا: لأن الآية دالة على التهديد بعد عذاب النار بالخزي، والخزي عبارة عن التخجيل وهو عذاب روحاني، فلولا أن العذاب الروحاني أقوى من العذاب الجسماني وإلا لما حسن تهديد من عذب بالنار بعذاب الخزي والخجالة. اهـ.
قال الفخر:
احتجت المعتزلة بهذه الآية على أن الفساق الذين دخلوا النار لا يخرجون منها بل يبقون هناك مخلدين، وقالوا: الخزي هو الهلاك، فقوله: {إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} معناه فقد أهلكته، ولو كانوا يخرجون من النار إلى الجنة لما صح أن كل من دخل النار فقد هلك.
والجواب: أنا لا نفسر الخزي بالأهلاك بل نفسره بالإهانة والتخجيل، وعند هذا يزول كلامكم. اهـ.